ماذا تريد إيران بصواريخها ومسيّراتها الطائرة إلى إسرائيل بعلم الجميع؟الردّ المباشر والواضح هو أنّ إيران: أولًا: تريد إرسال رسالة إلى إسرائيل بأنها قادرة على الرد. وثانيًا: تسجيل موقف عند أميركا ودول المنطقة بأنها قوّة إقليميّة كبرى. وثالثًا: رفع الحرج عن نفسها أمام شعبها وحلفائها ووكلائها، بأنّ إهانة إسرائيل لإيران تستدعي إهانة مقابلة ومُقنعة. لكنّ إيران قطعًا لا تريد حربًا شاملة مفتوحة مع إسرائيل وحليفتها أميركا. لذلك بدأ الهجوم الإيرانيّ مع إشارات مسبّقة من إيران إلى أميركا وإسرائيل وكل الجيران، بموعد ونوع وكمّ الردّ الإيراني، وكأنه ردّ ممسرح: الفاعل فيه إيران ووكلاؤها، والمفعول به إسرائيل، ومخرج المسرحيّة، جزئيًا، هو الولايات المتّحدة الأميركيّة.ولكن مع إعلان نبأ انطلاق الصواريخ والمسيّرات الإيرانيّة، بدا الأمر وكأنّ أمرًا جادًا وجديدًا ومفاجئًا يحدث. هذا التخوّف الإسرائيليّ- الأميركي، جعل الرئيس الأميركيّ جو بايدن يقطع إجازته ويعود للبيت الأبيض، وجعل حكومة الحرب الإسرائيليّة تجتمع تحت الأرض في مكان سرّي، وجعل دولًا تمنع رعاياها من السّفر للمنطقة، ومخاوف عدة من أن تشتعل حرب إقليميّة كبرى في المنطقة. لماذا يبدو هناك تخوّف وقلق وترقّب في إسرائيل وأميركا ودول المنطقة، رغمًا عن مؤشّرات عن حدوث هذه "المسرحيّة العسكريّة" المعلنة منذ أكثر من أسبوع؟هناك أسباب عدة: 1- خوف إسرائيل وأميركا من خروج إيران عن المعقول والمتناسب، أو حتى المتّفق عليه، بما يستدعي ردًا على الرد. 2- إيران لن تضرب منفردة، فمعها وكلاء وعملاء، ولهم أسبابهم في التصعيد ضد إسرائيل. وهنا قد تضطر إسرائيل وأميركا للردّ على حلفاء إيران وليس على إيران. 3- إيران تطلق لأوّل مرّة صواريخ ومسيّرات من قلب إيران إلى قلب إسرائيل. وهذا أمر جديد على الطرفين وعلى المنطقة كلّها، بما سينال من عقيدة إسرائيل العسكريّة التقليديّة القائمة على الرّدع الذي يبدو الآن في أسوأ أحواله منذ السابع من أكتوبر. 4- قتيل واحد إسرائيلي، مدنيًا كان أو عسكريًا، سيخدم البروباغاندا الإيرانيّة بقوّة، وسيضع القيادة الإسرائيليّة في وضع المتسبّب في تحركات عسكريّة متهوّرة وغير محسوبة، تُشعل المنطقة كلّها وليس حدودها المباشرة فقط. 5- الحرب النفسيّة التي مارستها إيران على إسرائيل وأميركا، بأنها ستردّ مباشرة بأسلحتها ومن على أرضها، أكسبت إيران نفوذًا معنويًا كبيرًا لدى حلفائها، وهذا أمر لا تريده إسرائيل، لأنه سيُغري فاعلين إقليميّين آخرين، بالتّطاول على إسرائيل. 6- إيران، حتى لو كان ردها مسرحية ومتفقا عليه، لكنه رد عكس الخطوط الحمراء المتفق عليها بعدم الدخول في مواجهة مباشرة، بمنطق أنه تصعيد مباشر في مواجهة تصعيد مباشر، وأن إيران قادرة ومستعدة وراغبة في تبني إستراتيجية العين بالعين والبادي أظلم في المواجهات المباشرة. 7- إسرائيل اعتادت على حرب العرب، دولًا وتنظيمات، لكنّها الآن تواجه الفرس الذين يرفعون شعارات دينيّة تقابل الشّعارات الدينيّة الإسرائيليّة، وبالتّالي من الممكن أن تتحوّل المواجهة إلى استدعاء التّنظيمات والأصوات الدينيّة الإسلاميّة ،على نحو يجعل المواجهة خارج نطاق المنطقة، وإنّما مسرحها العالم كلّه.وختامًا فلنتذكّر أنّ من ضمن أهم دروس الحروب الكبرى، أنّ بعضها مثل حوادث الطرق لم يكن مخطّطًا له، وإنما نتجت عن سوء فهم وليس عن سوء قصد وتصعيد متبادل لم يكن مخطّطًا له. وإيران وإسرائيل تلعبان بنيران منطقة مليئة بالغاز والنّفط.